لقد تم بناء السرد السائد حول الاستعمار الأوروبي تاريخيا على أسطورة “المهمة الحضارية” التي تحدث عنها رئيس الوزراء الفرنسي جول فيري عام 1884، وتوسع التقدم، وعالمية الحداثة. ومع ذلك، يكشف التحليل النقدي أن الاستعمار شكل، في أبعاده المتعددة، أكبر إبادة جماعية في تاريخ البشرية. إلى جانب الإبادة الجسدية لملايين الأرواح، أدى الاستعمار إلى تدمير أنظمة ثقافية ولغوية وإبستمولوجية (معرفية) كاملة، بالإضافة إلى فرض هياكل اقتصادية وسياسية لا تزال تعيد إنتاج التفاوتات العالمية حتى اليوم، كما بين الشاعر والمفكر المارتينيكي إيمي سيزير في كتابه الصادر 1950، والمفكر الكاميروني أشيل مبمبيه في أعماله المنشورة 2001. ويُضاف إلى ذلك تدمير الاقتصادات المحلية، ونهب الموارد، وفرض الحدود الاصطناعية وأنظمة الاستخراج، وفي الوقت الحاضر، استمرار الاستعمار الجديد من خلال مؤسسات، مثل صندوق النقد الدولي، وفرنك السي إف إيه (CFA).
الاستعمار والإبادة الجماعية: قراءة قانونية-تاريخية
من هذا المنطلق، من المهم إقامة جسر بين النقد الأخلاقي والفلسفي للاستعمار، والأدوات القانونية الدولية التي تسمح لنا اليوم بتصنيفه كجريمة إبادة جماعية. وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبتها (1948)، تُعرف الإبادة الجماعية بأنها “النية المتعمدة لتدمير، جماعة قومية، أو عرقية، أو دينية، أو إثنية تدميرا كليا، أو جزئيا”. ينطبق هذا التعريف على العديد من الحلقات الاستعمارية: إبادة الشعوب الأصلية في الأميركتين، كما عرضها المؤرخ الأميركي ديفيد ستانارد في دراسته 1992؛ والمجازر في الكونغو تحت حكم ليوبولد الثاني، كما تناولها المفكر الكونغولي جورج نزونغولا-نتالاجا 2002؛ وإبادة شعبي الهيريرو والناما في ناميبيا، كما وثقها المؤرخ الألماني يورغن زيمرر في كتابه المنشور 2005؛ وغيرها.
سيزير وإدانة بربرية الاستعمار
بعيدا عن المنظور القانوني، قدمت أصوات من المستعمرات السابقة نقدا لاذعا للهمجية المقنعة بالتمدن. في هذا السياق، تبرز إدانة إيمي سيزير العميقة. في كتابه “خطاب حول الاستعمار”، يدين سيزير، في الطبعة الصادرة عام 1950، نفاق أوروبا الاستعمارية في تصدير ما أسمته “الحضارة”، والتي اتضح عمليا أنها همجية منظمة. بالنسبة لسيزير، لا يمثل الاستعمار مأساة أخلاقية فحسب، بل هو مرض سياسي لأوروبا الحديثة. “الحضارة التي تعجز عن حل المشكلات التي تخلقها هي حضارة منحطة”.
فانون والعنف كأساس استعماري
علاوة على ذلك، يجد نقد سيزير تعميقا وجوديا وثوريا في فرانتز فانون، الذي يحول العنف الاستعماري ليس فقط إلى تشخيص، بل إلى أرضية للمقاومة. في كتابه “المعذبون في الأرض”، يحلل فانون، في عمله المنشور 1961، الاستعمار كنظام قائم على العنف الكلي -شكل متقن وكامل من السيطرة التامة. بالنسبة لفانون، الاستعمار هو إنكار لإنسانية المستعمَرين، الذين تُختزل حياتهم إلى الخضوع والصمت.
استمرار الاستعمار: مبمبيه وكويخانو ونقد الاستعمار الجديد
لا تشكل تلك الأحداث التاريخية مجرد وقائع نادرة من الماضي. كما يوضح مبمبيه وكويخانو، أعادت هياكل الهيمنة الاستعمارية تنظيم نفسها تحت أشكال جديدة، محافظة على نفس التسلسلات الهرمية العرقية والاقتصادية. يجادل أشيل مبمبيه (2001)، في عمله “حول المستعمرة الجديدة”، بأن نهاية الاستعمار الرسمي لم تعنِ نهاية الهيمنة. ما يستمر هو “استعمارية السلطة”، وهو مفهوم صاغه أنيبال كويخانو (2000)، ويشير إلى استمرار التسلسلات العرقية والإبستمولوجية (المعرفية) والاقتصادية المؤسسة في الاستعمار، والتي تعيد إنتاجها اليوم مؤسسات مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وقوى مثل فرنسا، التي لا تزال تحافظ على علاقات التبعية مع مستعمراتها السابقة من خلال سياسات “تعاون” غير متماثلة.
فانون والعنف كأساس استعماري
علاوة على ذلك، يجد نقد سيزير تعميقا وجوديا وثوريا في فرانتز فانون، الذي يحول العنف الاستعماري ليس فقط إلى تشخيص، بل إلى أرضية للمقاومة. في كتابه “المعذبون في الأرض”، يحلل فانون، في عمله المنشور 1961، الاستعمار كنظام قائم على العنف الكلي -شكل متقن وكامل من السيطرة التامة. بالنسبة لفانون، الاستعمار هو إنكار لإنسانية المستعمَرين، الذين تُختزل حياتهم إلى الخضوع والصمت.










