news-15082024-200438

كيف تدير النيجر ثرواتها بعد خصومها مع الغرب؟

في ملعب الجنرال سيني كونتشي بالعاصمة النيجيرية نيامي ووسط حضور شعبي كبير، خلّد أعضاء المجلس الوطني لحماية الدولة الذكرى الأولى لانقلاب 26 يوليو/تموز 2023 الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم. وبين أعضاء المجلس العسكري وآلاف المناصرين، برز رئيس الدولة الجنرال عبد الرحمن تياني الذي ألقى خطابًا قال فيه إن “نهب ثروات البلاد من بين أمور عديدة دفعت بالجيش إلى تحمل المسؤولية، وإن الأولوية في العمل أصبحت تتجه نحو تعزيز السيادة الاقتصادية من خلال دعم التنمية المحلية وتقليل الاعتماد على الجهات الأجنبية”.

ورغم مواردها من اليورانيوم التي تلبي ربع احتياجات دول بلدان الاتحاد الأوروبي من الطاقة النووية، إلا أن النيجر تقع في المرتبة السادسة من قائمة الدول الـ10 الأكثر فقرًا في العالم؛ إذ يعيش نحو 44.5% من السكان في الفقر المدقع، حسب بيانات البنك الدولي.

ثروات هائلة
منذ عام 2012، دخلت النيجر نادي الدول المنتجة للنفط بنسبة لا تتجاوز 20 ألف برميل يوميًا، وفي 2019 وقّعت عقدًا مع شركة البترول الصينية لاستغلال حقل أغاديم في الشمال وإنتاج 110 آلاف برميل يوميًا، وتكلف الجانب الصيني ببناء خط أنابيب من الحقل حتى ساحل بنين ليكون مكانًا للتصدير.

وفي عام 2021، حققت النيجر قفزة كبيرة في إنتاج الذهب، حيث بلغت صادراتها 2.7 مليار دولار بعد أن كانت في حدود 160 مليون دولار عام 2011، ما جعلها من أكثر البلدان الأفريقية نموًا في هذا العام، إذ سجلت ارتفاعًا بنسبة 11%.

وبالإضافة لليورانيوم والذهب والنفط، تمتلك النيجر ثروة من خام الحديد تصل إلى 9.2 مليارات طن، و1.25 مليار طن من خام الفوسفات، وتقدر احتياطاتها من الغاز بـ24 مليار متر مكعب قابلة للاستخراج.

ورغم هذه الثروات الكبيرة، يعيش قرابة نصف السكان في النيجر في الفقر الخطير بسبب عدم قدرة الحكومة على التدخلات المرتبطة بالتنمية والخدمات العامة. تحتل البلاد المرتبة الأخيرة في العالم بمؤشر التنمية البشرية الذي وضعه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقبل انقلاب 26 يوليو/تموز 2023 كانت تعتمد على المانحين في موازنتها العامة بنسبة 40%.

فساد وفقر
لكن هذه الثروات الكبيرة لم تنعكس على البلاد؛ إذ يعيش قرابة نصف السكان في الفقر الخطير بسبب عدم قدرة الحكومة على التدخلات المرتبطة بالتنمية والخدمات العامة. وتحتل البلاد المرتبة الأخيرة في العالم بمؤشر التنمية البشرية الذي وضعه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقبل انقلاب 26 يوليو/تموز 2023 كانت تعتمد على المانحين في موازنتها العامة بنسبة 40%.

ومنذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، ارتبطت النيجر بعقود اقتصادية مع شركات فرنسية، ويعتقد الكثير من المثقفين والمهتمين بقضايا التنمية أن تلك الشراكات تمثل نهبًا لخيرات البلاد وثرواتها.

وتشير العديد من التقارير الاقتصادية إلى أن فرنسا كانت تنفرد باستخراج اليورانيوم مقابل نسبة 5% فقط وذلك بالتنسيق والتواطؤ مع الحكام العسكريين السابقين، وبعد ضغوط شعبية ومظاهرات نظمتها هيئات المجتمع المدني عام 2014 ارتفعت نسبة الحكومة إلى 15%.

وفي تقرير نشرته لموند الفرنسية في يناير/أيار الماضي فإن ذهب النيجر يُهرّب منه الكثير خارج البلاد بدون أن يسجل لدى وزارة المعادن، وفي بداية العام الجاري أوقفت السلطات في مطار أديس أبابا شحنة من سبائك الذهب تصل إلى 1400 كيلوغرام؛ أي حوالي (91 مليون يورو) كانت في طريقها للتهريب.

ونقلت الصحيفة عن منظمة الشفافية الدولية، أنه في عام 2020 وصلت صادرات الذهب الفعلية إلى 34.24 طنا في حين تم إبلاغ وزارة المعادن بـ 18.2 فقط، وأضافت المنظمة أن ممارسات الفساد المتعلقة بتهريب ثروة البلاد أمر مألوف بين المسؤولين في الحكومة.

السيادة الاقتصادية
لكن الانقلابيين الذين وصلوا إلى السلطة عام 2023 بعدما أنهوا الارتباط العسكري مع فرنسا والولايات المتحدة الأميركية أعلنوا أنهم سيتوجهون لتحقيق السيادة الاقتصادية في إشارة إلى إنشاء شركات محلية أو التوجه نحو شركات غير فرنسية.

وفي خطابه في 26 يوليو/تموز الماضي بمناسبة مرور سنة على الانقلاب، قال رئيس المجلس العسكري الجنرال عبد الرحمن تياني إن “ثروات البلاد كانت عرضة للنهب من قبل نظام يدور في فلك القوة الاستعمارية السابقة، وإن النهب الدائم للثروة والتهديدات الوجودية هما ما جعلا العسكريين يتحملون مسؤولياتهم ويقفون أمام من يريدون إبقاء البلاد في حالة الفقر”.

أكد تياني أن صناعات التعدين والنفط ستُعطى فيها الأولوية للشركات المحلية لتعزيز السيادة الاقتصادية ومن أجل تفعيل “مبدأ المحتوى المحلي” في إدارة الصناعات الاستخراجية.

وفي يونيو/حزيران الماضي، سحبت الحكومة العسكرية في نيامي رخصة شركة أورانو الفرنسية المتعلقة بتشغيل منجم إيمورارين والذي تقدر احتياطاته بـ200 ألف طن من اليورانيوم.

وتعمل أورانو في النيجر منذ 1971، وما زالت تتولى تسيير أحد المناجم في منطقة “أرليت” لكنها تواجه مشاكل في الاستخراج.

وبالتزامن، قالت الشركة في تقريرها النصف سنوي إنها تكبّدت خسائر مالية قدرها 133 مليون يورو بسبب الأزمة مع فرنسا، واعتبرت أن سحب رخصتها غير قانوني وستواجهه أمام المحاكم الوطنية والدولية.

وفي وقت سابق، قال رئيس المجلس العسكري الحاكم إن نظامه سيعمل في الوقت القريب على تدشين مشروع بناء مصفاة جديدة للنفط ومجمع للبتروكيميائيات في إقليم دوسو.

وفي بداية أغسطس/آب الحالي أطلقت السلطات أعمال مصنع جديد للحديد الخرساني بلغت تكلفته حوالي 2.9 مليون دولار، وتتولى استغلاله شركة “نيجر ستيل” الوطنية. وبمناسبة تدشينه قال وزير التجارة والصناعة السيد عثمان صيدو إن هذه بداية للتوجه نحو تطوير الصناعات التحويلية الذي التزمت به الحكومة الانتقالية.

الاعتماد على الموارد
وخلال العام الجاري اعتمدت النيجر على مواردها المحلية في الميزانية العامة بمبلغ قدره 2653 مليار فرنك أفريقي (4.4 مليارات يورو) خصصت منها 57% لمجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي أول مرة تقر فيها البلاد موازنة عامة بدون إعانات خارجية.

وكانت نيامي تتلقى دعمًا ماليًا من المانحين يمثل نسبة 40% من الميزانية العامة، لكن أغلب الشركاء علقوا مساعداتهم بعد الانقلاب الأخير، وهو الأمر الذي دفع بقادة الانقلاب إلى برمجة ميزانية 2024 بدون مساعدات أو هبات.

وفي حديث سابق للجزيرة نت، قال الخبير المالي ومستشار وزير الاقتصاد الموريتاني عبد الله ولد أواه إن النيجر يمكن أن تصمد في الاعتماد على مواردها إذا استمرت في نهج التقشف والتركيز على بند نفقات الاستثمار ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

مؤخرا بدأت نيامي في تصدير نفطها من حقل أغاديم إلى ميناء سيمي كبودجي في بنين ليتم تسويقه للخارج، وأخذت الحكومة 400 مليون دولار قرضًا من الصين لدعم موازنتها العامة على أن تسدده بعد تصدير النفط.

وتسعى النيجر مع بوركينا فاسو ومالي الذين شكلوا تحالف كونفدرالية دول الساحل، إلى فك الارتباط النقدي مع باريس، لأن الدول التي تعتمد على عملة الفرنك الأفريقي ملزمة بالاحتفاظ بنسبة 85% من احتياطاتها من العملة الصعبة لدى البنك المركزي الفرنسي.

وفد تركي برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان في زيارة عمل  إلى النيجر للبدء في إبرام