news-14092024-205710

الخوف من تاريخ الاضطهاد في روسيا

مع توقيف السلطات الروسية مئات المواطنين لانتقادهم هجومها على أوكرانيا، أدركت ماريا (47 عاماً) القاطنة في موسكو، أنها تشعر بخوف لطالما خالج جدتها ضحية القمع في عهد ستالين. وأعاد الاضطهاد السياسي في موسكو عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، معسكرات «غولاغ» السوفياتية المخصصة للاعتقال إلى الأذهان بصورة شبح مخيف.

تصفحت ماريا كتاباً يضم صوراً لضحايا عمليات تطهير في عهد ستالين. كان والد جدتها من أصل بولندي، وأُعلن «عدواً للشعب»، وأُعدم رمياً بالرصاص في عام 1938 على غرار كثر حينها، حُكم عليه بالإعدام بتهمة «التجسس» لصالح بولندا قبل أن يبرّأ وهو ميت لاحقاً، بعد وفاة ستالين.

وأمضت زوجته 4 سنوات في معسكرات «غولاغ» وعانت ابنتهما، أي جدة ماريا، من وصمة عار مثل غيرها من أبناء «أعداء الشعب»، ولطالما شعرت بخوف من الاعتقال.

الحياة في ظل الرقابة والخوف

سيدة تنظر إلى نموذج لبرج سجن خلال زيارة إلى متحف تاريخ الغولاغ في موسكو. حالياً تخشى ماريا من أن تصنفها السلطات الروسية بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين «عميلة أجنبية»، وهي صفة تُفرض على المعارضين وتجبرهم على الامتثال لقيود إدارية قاسية، تحت طائلة السجن.

وحيث تُدرِّس اللغة الإنجليزية في إحدى الجامعات، تعبر ماريا عن خشيتها من تصنيفها “عميلة أجنبية”؛ لأن عملها يتطلب منها دراسة الثقافة الغربية، في حين تعدّ اللغة الإنجليزية حالياً في روسيا “لغة معادية”، على حد قولها.

وعلى غرار آلاف الروس، تستخدم ماريا الشبكات الخاصة الافتراضية “في بي إن” (VPN) للوصول إلى مواقع وسائل الإعلام الغربية على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي المحجوبة في روسيا. ومع انتشار التجسّس والوشاية في روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا، تتوخى ماريا الحذر خشية أن يُكشف أمرها.

التحرر من الخوف والقمع

وقال المنشق السوفياتي ألكسندر بودرابينك، إن “الخوف هو العائق الرئيسي أمام الحياة الطبيعية في بلادنا”. وأضاف بودرابينك، الذي أُرسل إلى المنفى في سيبيريا عام 1978، قبل أن يدخل السجن في عام 1981 بسبب تأليفه كتاباً عن علم النفس العقابي في الاتحاد السوفياتي، أن “الخوف يثبط معنويات الناس، ويحرمهم من حريتهم”.

وأكد بودرابينك أن “الإنسان الخائف لا يكون حراً، بل يصبح عبداً لخوفه ويستمر في العيش من دون أن يتمكن من تحقيق إمكاناته”. وأكد أن الخوف “ليس خصوصية عرقية أو قومية أو جينية” خصوصاً في روسيا.

تحدثت سفيتلانا غانوشكينا، العضوة في مجموعة “ميموريال” الحقوقية، عن “خوف تاريخي، وحتى وراثي” في بلد يعاني من ندوب عميقة بسبب الاضطهاد إبان حكم القياصرة والاتحاد السوفياتي وبوتين حالياً.

و”ميموريال” منظمة غير حكومية حلّتها السلطات الروسية عام 2021، وعُرفت بدورها الرئيسي في الكفاح للحفاظ على ذكرى الاضطهاد السوفياتي وتوثيق الاضطهاد في روسيا خلال عهد فلاديمير بوتين.

وقالت غانوشكينا المصنفة “عميلة أجنبية”، لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”: “عند رؤية هذه الأحكام القاسية وطريقة معاملة السجناء، وحتى المرضى منهم الذين أدينوا لانتقادهم الهجوم على أوكرانيا، لا يجرؤ الناس على الاحتجاج، ولا يجرؤون على الكلام”.