في صباح رمادي ملبد بالضباب على أطراف مدينة دونيتسك الأوكرانية، كان الجو حقاً غامضاً. كان الضباب يلتف حول الخنادق مثل غطاء ثقيل، والهواء يقطعه طنين مسيّرة تبحث عن هدف. وعلى جدار من الطين الرطب، كان يجلس جندي أوكراني في العشرينات من عمره، تسمع صوت أنفاسه بوضوح وينظر إلى شاشة صغيرة أمامه، تعرض نقاطاً حمراء تمثل جنوداً روس يتحركون ببطء ويتقدمون نحوه. في تلك اللحظة، تذكر الجندي مقطعا شاهده في فيلم لمعركة قديمة: رجال بريطانيون وفرنسيون يركضون في حقول موحلة نحو الخطوط الألمانية في مدينة فردان الفرنسية، عام 1916.
الفرق الوحيد أن الخنادق في دونيتسك أعمق، والطين أثقل، وعندما تكون في قلب المعركة، فالموت يأتي أسرع. ومع تقدّم الزمن، كانت الحروب تأخذ منحى بطيئاً ومعقداً، مما دفع القادة إلى التفكير بحلول جديدة لتحقيق الانتصار. في الأول من يوليو/تموز 1916، وفي خضم الحرب العالمية الأولى، وقعت واحدة من أكثر المعارك دموية وبطئا في التاريخ العسكري، حين شنَّ البريطانيون والفرنسيون هجوما مُضادا على الألمان في “معركة فردان” غربي فرنسا، في محاولة لوقف التمدد الألماني.
في الوقت الحاضر، شهدت أوائل عام 2022 هجمات خاطفة استولت أثناءها روسيا على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك الاستيلاء على 120 ألف كيلومتر مربع في الأسابيع الخمسة الأولى من الحرب. وقد ظنَّ الكرملين أنه في معركة ستستمر لعدة أسابيع ليس إلا، لكن سرعان ما أُوقِفَت القوات الروسية عن التقدم بعد هجوم مضاد أوكراني، ومنذ ذلك الحين، لم تشهد خطوط المعركة سوى تأرجحات طفيفة في الشرق والجنوب.
الحروب ليست خطية، وتستدعي التكيُّف والتحسين المستمر. تعد الحرب الحديثة في أوكرانيا نموذجاً يُدرّس في الأدبيات العسكرية عن بطء الحروب الحديثة حين تتجمد الجبهات. وبينما تبدو تكتيكات الحرب الهجينة واستخدام المُسيَّرات مبدئياً فعالة، إلا أنها بطيئة بطبيعة الحال، مما يتطلب جهداً كبيراً، ويُضعف من تقدم الخصوم.










